الأمان بين النيلين .. بقلم د/ آلاء طه

مقالات , No Comment

حين عصفت بنا نيران الحرب في بلادي، لم يكن أمامي سوى أن أحمل روحي على راحتي وأعبر النيل إلى مصر، بحثًا عن طمأنينة افتقدتها في أزقة ود مدني التي كانت يومًا تضج بالحياة. كانت الرحلة شاقة، لكن الأمل في النجاة كان أقوى من كل تعب.

في السودان، كنا نعيش البساطة في كل شيء، نحتسي الجبنة السودانية وسط تجمع الأهل والجيران، حيث تمتزج رائحة القهوة بدفء الحكايات. في مصر، وجدت الشاي بالنعناع يرافق الجلسات، وصوت المقاهي يضج بالحياة، وكأن المدينة ترفض أن تنام. هناك في وطني، كانت البيوت مفتوحة للجميع، نأكل من صحن واحد، ونعتبر كل بيت بيتنا، وهنا في مصر، رغم الحفاوة، شعرت أن الخصوصية تطغى أكثر، وأن المدن الكبيرة تجعل القلوب متقاربة لكنها تبقيها متباعدة في الوقت ذاته.

في شوارع مدني ، كنا نسمع صوت “الطنبور” يعزف ألحان النوبة، ونرقص على أنغام “الجراري”، أما في مصر، فالموال الحزين في أغاني أم كلثوم كأنه يروي حكايتي، وحين استمعت إلى العود يعزف، شعرت أن النغم لغة واحدة، تجمع بيننا رغم اختلاف اللهجات.

الدفء الذي وجدته في عيون المصريين خفف عني وحشة الغربة، فهنا، رغم كل الاختلافات، وجدت أخوة لم يفرق بينهم حد، وجدت قلب النيل يجمعنا كما كان دائمًا، رغم كل الجراح.


بحث