مازالت الإدانات وعبارات الشجب والتنديد تتقاطر من دول العالم بمذبحة نيوزيلندا التي هزت الرأي العام الدولي صباح أمس. حصيلة الهجوم على مسجدين في مدينة كرايست تشرتش النيوزيلندية وصل حتى الآن إلى تسعة وأربعين قتيلا وعشرات الجرحى، والحصيلة مرشحة للارتفاع.
جريمة لم يكن من المتوقع أن تحدث في دولة كنيوزيلندا المعروفة بمستوى كبير من التعايش والبعيدة حتى الآن عن لائحة المناطق التي بات فيها موضوع الإسلاموفوبيا وعداء الأجانب يشكل تحديا حقيقيا. وقد زادت طريقة تنفيذ الجريمة والصور المنتشرة للهجوم العنيف من موجة الصدمة والإستياء عبر العالم.
فما دلالات وقوع هجوم بهذا النوع في بلد كنيوزيلندا، وما سبب التنامي المطرد لعداء المسلمين في الغرب في السنوات الأخيرة؟ وما هي التداعيات المحتملة لهذا الاعتداء؟
مسلمون في مرمى الاعتداءات
ما عرف حتى الآن عن مرتكب الهجوم هو أنه أسترالي يحمل أفكارا يمينية متطرفة ومعادية للمهاجرين وقد صاغ بيانا قبل الهجوم يوضح فيه نواياه. وقد وصفت رئيسة الوزراء النيوزيلندية اليوم بأنه يوم أسود في تاريخ بلادها، وبينما رفعت نيوزيلندا درجات التأهب الأمني إلى أعلى مستوياتها وأغلقت الشرطة المساجد، هيمن من جديد النقاش حول تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب. حيث ندد الأزهر في مصر بالهجوم الذي قال إنه “يشكل مؤشرا خطيرا على النتائج الوخيمة التي قد تترتب على تصاعد خطاب الكراهية ومعاداة الأجانب وانتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا في العديد من بلدان أوروبا، حتى تلك التي كانت تعرف بالتعايش الراسخ بين سكانها”. بينما حمل مفتي أستراليا ونيوزيلندا “الحشد السياسي والإعلامي لليمين المتطرف” مسؤولية الهجوم. كما طالب الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش بالعمل سريعاً على المستوى الدولي لمعالجة ظاهرة الإسلاموفوبيا، حسبما نقل عنه المتحدث الخاص.
تداعيات خطيرة
وعن دلالات حدوث هجوم بهذا العنف في بلد بعيد لم يسبق أن كان في دائرة الضوء فيما يتعلق بعداء الأجانب والمسلمين، يقول رامون فريدريش وهو خبير ألماني في قضايا اليمين المتطرف في حوار لـDW عربية إن هذا يندرج ضمن “طابع العولمة في شتى المجالات في عالمنا بما في ذلك التطرف وقد عزز من ذلك الإنترنت، إذ لم يعد هناك مكان بعيد عن تأثير الخطابات العدائية كما أن الجماعات المتطرفة تستغل شبكة الإنترنت لنشر هذه الخطابات والتواصل فيما بينها واستقطاب متعاطفين جدد في كل أنحاء العالم”.
أما نبيل يعقوب الخبير في شؤون الهجرة والمتحدث باسم مبادرة لتمثيل مصالح المهاجرين في ولاية ساكسونيا الألمانية، فيقول في تصريحات لـ DW عربية إن “الهجوم مدروس ونفذ لتحقيق أهداف سياسية أهمها تمزيق مجتمع معروف عالميا بنسب كبيرة من التنوع والتعايش والانفتاح ولم يعرف عنه وجود توترات أو نزاعات داخلية، كما أن الهجوم يعتبر انعكاسا كذلك لظاهرة الإسلاموفوبيا المنتشرة في العالم عموما”.
وليس سراً أن الإرهاب الذي تمارسه جماعات إسلامية متطرفة مثل تنظيمي القاعدة و”داعش” سواء في الشرق الأوسط أو من خلال استهداف مدنيين في مدن وعواصم أوروبية خلال الأعوام الماضية رفع من أسهم الكراهية تجاه المسلمين والإسلام في الغرب. كما يرى الخبير الألماني أن الخطابات التي تنشرها الجماعات والأحزاب المتطرفة في الاتجاهين (اليمين واليسار) تلعب دورا في ذلك، خاصة أن وسائل التواصل والإعلام المتاحة بكثرة اليوم تتيح لهذه الجهات نشر خطاباتها بسهولة واستقطاب متعاطفين جدد. ويضيف الخبير الألماني أن “الخطير كذلك في هذا الهجوم هو أنه سيزيد حدة التطرف على الجهة الأخرى، إذ سيعطي حججا أكبر للمتطرفين الإسلاميين لتنفيذ هجمات جديدة ضد أهداف غربية وتصوير الغرب كله على أنه العدو الأكبروالغرق في دور الضحية” ويوضح بالقول “إن ذلك سيسهل من استقطاب متعاطفين جدد وتجنيد من هم مستعدون لتصديق فكرة أنه يجب على المسلمين الدفاع من الغرب”. وهو ما يعني بحسب الخبير، المزيد من التوتر والاستقطاب من الجانبين.
مسؤولية الساسة
حققت الأحزاب اليمينية نجاحات كبيرة في القارة العجوز مستفيدة من احتدام الجدل حول موضوع اللاجئين في السنوات القليلة الماضية. ويتوقع أن تحصل هذه الأحزاب على نتائج جيدة قد تجعل منها الفائز الأكبر في انتخابات البرلمان الأوروبي التي ستجري في غضون بضعة أشهر. فقد أشار استطلاع للرأي نشر في صحيفة ألمانية أن الأحزاب اليمينية المتطرفة قد تزيد مقاعدها في هذه الانتخابات إلى الضعفين مقابل خسارة كبيرة ستمنى بها الأحزاب المحافظة والديمقراطية الاستراكية التي تمثل التيار الرئيسي.
ويقول فريدريش إن على الأحزاب التقليدية أن تتصرف بحزم أكبر حيال تنامي الخطاب اليميني وتقوي هذه الأحزاب، وأن تخرج من “منطقة الراحة”، وذلك من خلال تشجيع التعددية والتنوع وتجسيد ذلك في صفوفها أيضا وليس الاكتفاء بالترويج “للثقافة الغربية النمطية” فقط. وتبقى مسؤولية الأحزاب جزءا من مسؤولية أكبر يجب أن يتحملها الجميع، كما يقول الخبير الألماني، بما في ذلك الدولة وهو “ما ينبغي التركيز فيه بشكل أكبر على الفئات القابلة للاستهداف بشكل أكبر من طرف المتطرفين وخطاباتهم وهي فئات الشباب والأطفال”. أما نبيل يعقوب فيركز على أهمية الجهود التي يجب أن تبذل من الطرفين (الدولة والمهاجرين) لتحقيق الاندماج في المجتمع لأن ذلك يتيح حوارا أكبر بين الفئات المختلفة وبالتالي غموضا وتوترات وأفكارا خاطئة أقل، كما يمكن ذلك المهاجرين أيضا من إيصال وجهات نظرهم وتحقيق تمثيل لهم في المجتمع الذي يستضيفهم.