مزادات على كرسي البرلمان..بقلم /د. صباح الحكيم

مقالات , No Comment

مع اقتراب كل دورة انتخابية، تعود إلى الواجهة ظاهرة مؤسفة، بل وصادمة، وهي تحول كراسي البرلمان إلى مزادات شبه علنية، تتنافس فيها جيوب المرشحين لا أفكارهم، وتُمنح فيها فرص الترشح لمن يدفع أكثر، لا لمن يستحق أكثر.

بحسب ما يُتداول في الأوساط السياسية والشعبية، بلغت “أسعار الترشح” داخل بعض الأحزاب ما بين 40 إلى 100 مليون جنيه، يدفعها المرشحون لضمان مقعد على قائمة حزبية أو كفردي في دوائر بعينها. وهنا يطرح المواطن العادي – الذي من المفترض أن يُمثَّل داخل هذا البرلمان – سؤالًا مشروعًا:
لماذا يدفع هؤلاء كل هذه الأموال؟

هل هي رغبة خالصة في خدمة الوطن؟
أم أن وراء هذه الملايين ما وراءها من صفقات ونفوذ ومصالح، يسعون لاستعادتها أضعافًا عبر الموقع النيابي، مستخدمين الحصانة والسلطة كغطاء؟

الغريب أن كثيرًا من هؤلاء “المرشحين الأثرياء” لم يُروا من قبل في الشارع، ولم يُعرف عنهم أي نشاط خدمي، ولا ارتباط حقيقي بالدوائر التي يتحدثون باسمها اليوم. فهل هؤلاء على دراية فعلية باحتياجات الناس؟
وهل يشعر من يمتلك عشرات الملايين بمعاناة من لا يمتلك ثمن دواء أو فرصة عمل؟

نحن لا نرفض أن يترشح رجل الأعمال أو من يملك المال، لكن حين يصبح المال هو المعيار الوحيد للترشح والدخول إلى البرلمان، فإننا أمام أزمة أخلاقية وسياسية تهدد صميم فكرة “التمثيل النيابي”.

لو كانت الغاية الحقيقية لهؤلاء المرشحين هي خدمة الوطن والمواطن، أليس الأولى أن تُوجَّه هذه الملايين إلى دعم المدارس الحكومية، أو تحسين مستشفيات الصعيد، أو تمويل مشروعات تنموية؟
لكن المؤسف أن هذه الأموال لا تُنفق بدافع وطني، وإنما تُعتبر “رأسمال استثماري”، يتوقع أصحابها جني ثماره من داخل البرلمان، سواء عبر حماية مصالح، أو الوصول لمراكز تأثير، أو ببساطة “رد الجميل” لنفسه عبر مناصب وخدمات وحصانة.

وهنا يجب أن نسأل بكل صراحة:
هل هناك رقابة فعلية على تمويل الحملات الانتخابية؟
هل توجد إرادة سياسية لكسر هذا النمط الفاسد من الترشح؟
وهل يُعقل أن تتحول الحياة النيابية إلى مشهد يتصدره المال، بينما تذوب الأصوات النظيفة والعقول الشريفة في الزحام، لأنها لا تملك ميزانيات ضخمة أو دعمًا حزبيًا مشروطًا بالتمويل؟

إذا كنا جادين فعلًا في بناء دولة مدنية حديثة، فلابد من إعادة النظر في قواعد اللعبة الانتخابية، بدءًا من مصادر تمويل الحملات، وانتهاءً بالصلاحيات الممنوحة للنائب.

المجلس النيابي يجب أن يكون مكانًا لخدمة الناس، لا منصة للامتيازات الشخصية. ولذلك من المهم التفكير جديًا في تقييد الحصانة البرلمانية، وإلغاء كافة المزايا غير المبررة التي يحصل عليها النواب، خاصة تلك التي تحوِّل الكرسي من وسيلة خدمة إلى مطمع شخصي.

واخيرا……..

الديمقراطية لا تُشترى، والبرلمان ليس سلعة، والمواطن المصري يستحق نوابًا يمثلونه لا يبيعونه.
وإذا ظلت الانتخابات تُدار بهذه العقلية التجارية، فإننا نخسر كل مرة فرصة حقيقية للإصلاح السياسي والنهضة التشريعية.

لقد آن الأوان لنُعيد الاعتبار للبرلمان.. كمؤسسة وطنية، لا كسوق لمن يدفع أكثر لكي يجلس على عرش الشعب.


بحث