لا جديدَ يُذكرُ ولا قديمَ يُعادُ فى “ماسبيرو”. لا يزالُ مبنىً خاملاً مٌتخاذلاَ مُتكاسلاً تسكنه الأشباحُ. شأنُه فى ذلك شأنُ جميع المؤسساتِ والجهاتِ المختومةِ بختم النسر. الأوضاعُ تزداد سوءاً يوماً بعدَ يوم. القائمونَ علي أمر “ماسبيرو”، لا يشغلُهم سوى البقاءِ فى مناصبهم والحصول على مكافأة نهاية الخدمة. شعارهم الأبدى: “إن فاتك الميرى اتمرَّغ فى ترابه”، أو “إن خرب بيت أبوك خد لك منه قالب”. ترابُ “ماسبيرو” لم يعدْ تراباً، بل رُكاماً يتوطنُه العفنُ، وتحتله بيوتُ العنكبوت، وإنَّ أوهنَ البيوتِ لبيتُ العنكبوت.. وأشياءُ أخرى لا تعلمونها، اللهُ يعلمها. لو سألتُك: هل تذكرُ آخر مرة شاهدتَ فيها التليفزيونَ الحكومى؟ فلن أجدَ غالباً لديكَ إجابة جاهزة أو قاطعة. أمَّا إذا كنتَ منْ أصحاب السيارات الخاصة، أو لا تزالُ من هُواة الإذاعة، فإنكَ قد تضبطُ مؤشرَ الراديو على إحدى المحطات الرسمية لتتابعَ نشرة أو موجزاً للأخبار، أو تستمع إلى إذاعة القرآن الكريم التى تحولتْ إلى “عزبة خاصة” لرئيسها الحالى، وفقدتْ روحها التى كانتْ تميزها. جيلُ الرواد انتهى. جيلُ الوسط يُعانى غُربة مُوحشة. جيلُ الشبابِ تائهٌ فاقدٌ لمقومات الإبداع، عدا عناصرَ قليلة محدودة حصلتْ على فرصتها بدون “واسطةٍ” أو “محسوبية”. “الواسطة” و “المحسوبية” ضربتا “ماسبيرو” فى العُمق. ما أكثرَ من تسللوا إلى “ماسبيرو” منذ إنشائه بالمجاملات الرخيصة وكروت التوصية. وهؤلاء إذا دخلوا مؤسسة أفسدوها وجعلوا أعزة أبنائها أذلة وكذلك يفعلون. العائلاتُ الحاكمة فى “ماسبيرو” لا تزال تحكمُ و تتوالدُ وتتناسلُ وتتكاثرُ، وتصدِّر إنتاجها الغثَّ إلى استوديوهات الإذاعة والتليفزيون. لم يعدْ مستغرباً أن يجمعَ استوديو الأخبار بين الأب والابن، أوالأم والبنت.. وخلف الكاميرات يجلسُ الحفيدُ متأهباً متحفزاً! وما أكثرَ من أضاع “ماسبيرو” مستقبلهم، لمجرد أنهم
لم يكونوا يملكون سوى موهبة فطرية غير مدعومةٍ بكارت من ” البيه الكبير” أو من “الست هانم”.
البرامجُ المتاحة حالياً ليستْ أكثر من “قعدة مصاطب” أوجلسات نسائية تافهة، تتخللها قهقهاتٌ سافرة، أو نكاتٌ سخيفة.
برنامج “صباح الخير يا مصر”، أشهر وأقدم برامج “ماسبيرو” هو أسوأ عنوان للمنظومة الإعلامية الرسمية على الإطلاق وكاشفٌ لعوراتها، ويغنى عن أى استرسال فى ذكر مساوئها، رغم المخصصات المالية الكبيرة التى يحظى بها، فما بالك ببقية البرامج؟
الإذاعة، التى كانت رافداً مهماً من روافد تثقيف المصريين، أصبحت أثراً بعد عين، وأداة للجهل والتسطيح.
قلما تحظى أذناك بمذيع قابضٍ على لغته مُتمكن من أدواته. أصواتٌ مائعة، أداءٌ باهتٌ، لغة ضائعة، أفكارٌشائهة تافهة. “ماسبيرو” لا يزالُ يعيشُ وهم الريادة المفقودة. الفضائياتُ العربية الأحدثُ عهداً أكثرُ حضوراً وانتشاراً وتأثيراً من هذا المبنى الميت روحاً ومعنىً، لأنها تنحازُ للكفاءة انحيازاً مُطلقاً ولا شئ غيرها.
تعاقبت ثورتان على مصر، ولا يزال “ماسبيرو” خارج نطاق الخدمة، وعبئاً جسيماً وثقيلاً على المصريين. “ماسبيرو” وصل إلى المنحدر واستقرَّ ولن يغادره قريباً.