يصل الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، القاهرة، الأحد، فى أول زيارة له منذ توليه منصبه فى مايو ٢٠١٧، وستستغرق ٣ أيام، ويرافقه فيها زوجته «بريجيت»، ووفد رئاسى يضم عددًا من الوزراء ورجال الأعمال للتوقيع على عدة عقود مع نظرائهم المصريين.
وذكر موقع «لو جورنال إيكونوميك» الفرنسى، أن الزيارة تسهم فى تعزيز العلاقات الثنائية بين مصر وفرنسا، وتشهد متابعة المباحثات بين «ماكرون» والرئيس عبدالفتاح السيسى، حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
ومن المتوقع أن يتصدر تعزيز التعاون الاقتصادى قائمة أولويات البلدين خلال المباحثات التى تتخلل الزيارة المرتقبة، فى ظل الإصلاحات الاقتصادية فى فرنسا التى تشبه ما يحدث فى مصر، ووجود نحو ١٦٠ شركة فرنسية عاملة فى مصر.
دخول المنافسة على الغاز المصرى.. توقيع عقود ثنائية فى النقل والصحة والتعليم.. وبحث استعدادات «قمة فبراير»
ذكرت وسائل إعلام فرنسية أن العلاقات الثنائية بين فرنسا ومصر تشهد طفرة كبيرة، فى ظل نجاحهما فى تعزيز التعاون الثنائى خلال السنوات الأخيرة، خاصة الاقتصادى والعسكرى، الأمر الذى جعل «باريس» سادس أكبر مستثمر أجنبى فى مصر، على مدى السنوات المالية الخمس الأخيرة، بعد المملكة المتحدة والولايات المتحدة والإمارات العربية، وبلجيكا والمملكة العربية السعودية.
ووفق وزارة الاقتصاد الفرنسية، زادت الصادرات إلى مصر فى السنوات الثلاث الأخيرة بنسبة ٢٠.٦٪ أى نحو ١.٩ مليار يورو، فى قطاعات المعدات الميكانيكية والمعدات الكهربائية، والإلكترونيات وأجهزة الكمبيوتر، وكذلك معدات النقل، وهو ما يضع باريس فى المركز الحادى عشر للشركاء التجاريين للقاهرة، وفقًا للبنك المركزى المصرى.
وضمن هذه الشراكة التجارية، وضعت شركة «توتال» الفرنسية نفسها ضمن الشركات العالمية المعنية بقطاع الغاز الطبيعى المسال فى مصر، الذى من المتوقع أن يصبح واحدًا من أهم القطاعات فى منطقة الشرق الأوسط، وتسعى إلى توسيع عملياتها فى منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، بالتعاون مع شركة «إينى» الإيطالية، ولهذا السبب، فإن التعاون فى مجال الطاقة سيكون جزءًا من المحادثات التى من المتوقع أن يقيمها «ماكرون» مع نظيريه المصرى والقبرصى خلال جولته فى شرق المتوسط.
وأضافت تقارير إعلامية فرنسية، أن الزيارة ستشهد توقيع عدد من العقود الثنائية بين البلدين، تتعلق بالنقل والتجارة والصحة والتعليم وغيرها، إلى جانب بحث دعم الجهود المصرية فى مكافحة الهجرة غير الشرعية، ووقف موجات نزوح اللاجئين، خلال القمة العربية الأوروبية الشهر المقبل.
ويناقش «ماكرون» و«السيسى» باستفاضة أزمة تدفق آلاف المهاجرين الفارين من النزاعات الدامية فى الشرق الأوسط، وهو ما يتطلب تكثيف التعاون بين القاهرة وباريس، باعتبار الأولى تحظى بأهمية جيوستراتيجية، كونها قوة عربية وإفريقية كبرى لا يمكن تجاوزها، بينما الثانية هى عضو دائم فى مجلس الأمن الدولى وإحدى ركائز حلف «ناتو» والاتحاد الأوروبى، فضلًا عن علاقاتها الوطيدة ببلدان منطقة المتوسط.
تأتى زيارة «ماكرون» أيضًا لبحث ترتيبات القمة العربية- الأوروبية، المقررة فى فبراير المقبل، التى ستشهد بحث عدة ملفات ذات اهتمام مشترك، على رأسها الهجرة واللاجئون، وسط اهتمام أوروبى وعالمى.
كما يسعى «ماكرون» إلى الانفتاح على القارة الإفريقية، والتى أولاها اهتمامًا بالغًا منذ توليه الرئاسة، مستفيدًا فى ذلك من رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى خلال العام الحالى، الأمر الذى ستتم مناقشته بالتأكيد مع الرئيس السيسى، حتى تتمكن باريس من توسعة قاعدة استثماراتها فى القارة السمراء.
مناقشة القضية الفلسطينية وأزمتى سوريا وليبيا.. فتح ملف «أموال مبارك».. وتعزيز التعاون العسكرى ومكافحة الإرهاب
يتطرق الرئيسان فى مباحثاتهما إلى الملف الفلسطينى، وسبل إعادة طرفى الصراع إلى طاولة المفاوضات، والحلول المقترحة للتسوية السلمية التى تتماشى مع القرارات الدولية فى هذا الشأن، انطلاقًا من الإشادة بالدور المصرى الفعّال فى هذا الملف، الذى يحظى باهتمام بالغ، على المستوى الدولى، خاصة الجهود المصرية الرامية إلى تحسين الأوضاع فى قطاع غزة المحاصر، وتعزيز المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، والعمل على وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة.
ويحتل الملف الليبى مساحة كبيرة من المباحثات الثنائية بين الرئيسين، فى ضوء الجهود التى بذلتها مصر وفرنسا، لتعزيز التسوية السياسية التى صدقت عليها الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص لدى ليبيا، ودعم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تضمن تحقيق حل سياسى للصراع فى ليبيا، حيث يسعى الرئيسان إلى استعادة الاستقرار والأمن على طول منطقة البحر المتوسط، ومتابعة التطورات الأخيرة التى تشهدها الأزمة الليبية.
كما يبحث «السيسى» و«ماكرون» مستجدات الأزمة السورية وسبل التوصل إلى حل شامل ودائم يضع نهاية للحرب الأهلية، التى دمرت سوريا لمدة ثمانى سنوات، ومستقبل البلاد فى ظل الانسحاب الأمريكى من سوريا، واستعادة الحوار مع النظام السورى إقليميًا ودوليًا.
ويتطرق الرئيسان إلى ملف أموال وأصول عائلة الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فى ضوء فتح تحقيقات فرنسية تتبع أصول وأموال الرئيس المصرى الأسبق وعائلته، على الأراضى الفرنسية وفى البنوك الخاصة.
ويناقش الرئيسان ملف التجديد الدينى والتسامح بين الأديان، حيث جرى تكليف المؤرخ تشارلو بيرسونيز، بإعداد تقرير حول حماية تراث الشرق الأوسط، ودعم شبكة التعليم فى المجتمعات المسيحية فى المنطقة، فى ظل اهتمام الرئيس السيسى بحماية حقوق الأقليات الدينية، وافتتاحه كاتدرائية ميلاد المسيح فى العاصمة الإدارية الجديدة، وسط توقعات بأن يزور «ماكرون» الكاتدرائية، مثلما فعل وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو.
ويبحث الرئيسان ملف الحرب على الإرهاب، ودعم استقرار الوضع الأمنى فى مصر والمنطقة، وتعزيز الشراكة الاستراتيجية الفرنسية المصرية، خاصة فى المجالات الأمنية والدعم اللوجستى والعسكرى على المدى البعيد، فضلًا عن بحث ملف أصول وأموال جماعة الإخوان فى فرنسا.
وشهدت العلاقات الأمنية والعسكرية بين مصر وفرنسا، تعاونًا وثيقًا خلال الفترة الماضية، حيث عقد البلدان عددًا من صفقات الأسلحة والمناورات والتدريبات المشتركة، شهدت تنفيذ وحدات من القوات البحرية المصرية والفرنسية تدريبات مشتركة فى نطاق قاعدة البحر الأحمر البحرية، لمواجهة تهديدات الأمن البحرى وحماية الأهداف الحيوية ضد التهديدات غير النمطية، وتنفيذ تشكيلات إبحار وتمارين مواصلات إشارية نهارًا وليلًا، والتدريب على حماية سفينة ذات شحنة مهمة، والتدريب على أعمال الإمداد بالبحر.
وسلّطت صحيفة «لو فيجارو» الفرنسية الضوء على العلاقة الوثيقة التى تجمع بين الرئيسين «السيسى» و«ماكرون»، منذ بداية تولى الأخير مقاليد الحكم فى قصر الإليزيه، حيث يراهن الرئيس الفرنسى على مصر والإمارات بقوة فى فرض الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، على النقيض من الرئيس الفرنسى الأسبق نيكولا ساركوزى، الذى كان يراهن على قطر، ولذلك شهدت ولايته الرئاسية دعمًا كبيرًا للدوحة، وتسهيلات لرجالها فى تملك أصول على أراضى فرنسا، وهو ما يسعى «ماكرون» حاليًا إلى تداركه.
وحسب الصحيفة الفرنسية، يراهن «ماكرون» على مصر، ويعمل جاهدًا على تقوية علاقاته مع دول أخرى ليست من بينها قطر، خاصة فيما يتعلق بدعم جهود الحرب على الإرهاب.
وأشارت «لو فيجارو» إلى أن «ماكرون» وخلال الحملة الانتخابية وبعد انتخابه، كان كثير الانتقاد لقطر، خاصة فى مسألة تمويل الإرهاب، ويعد أول رئيس يفتح سلسلة من التحقيقات حول الفساد القطرى، والأصول التى تمتلكها الدوحة فى فرنسا، وعلاقاتها المشبوهة مع «فيفا».
وذكر إيمانويل دوبوى، رئيس معهد الأمن لدى أوروبا، فى مقال نشرته الصحيفة، تحت عنوان «مصر.. الحليف الرئيسى الجديد فى أوروبا»، أن «السيسى» اكتسب احترام وتقدير الرأى العام فى فرنسا وأوروبا، وأن لقاء الرئيسين خلال الزيارة المرتقبة، أسسا له فى نيويورك فى الدورة الـ٧٢ للجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية ٢٠١٧، عندما جمعهما لقاء على هامش مشاركتهما فى أعمال الدورة.
وأوضحت وزارة الخارجية الفرنسية، فى تقرير نشرته على موقعها الرسمى، أن العلاقات الثنائية بين فرنسا ومصر مبنية على علاقات صداقة وثيقة وقوية تاريخيًا، وقد تطورت بشكل كبير فى جميع المجالات على مدى السنوات الأخيرة الماضية.
وأشارت «الخارجية» إلى أن الاجتماعات الثنائية رفيعة المستوى زادت بشكل كبير مؤخرًا، بما فى ذلك زيارة «السيسى» لفرنسا فى ٢٠١٧، معزية ذلك إلى وجود وجهات نظر متقاربة للدولتين الفاعلتين تجاه عدد من القضايا الإقليمية المؤثرة، مثل عملية السلام فى الشرق الأوسط، والصراع فى ليبيا، كما أن مصر شريك رئيسى فى الحرب ضد الإرهاب، وهذه الشراكة تعتمد على تعاون دفاعى وثيق.
وذكرت الوزارة، أن التعاون بين البلدين يشهد طفرة قوية، وأن هناك تبادلًا للزيارات المكوكية بين مسئولى البلدين بشكل كبير، منها زيارات لوزير الخارجية الفرنسية جان إيف لو دريان إلى مصر، فى عهد ماكرون، وأيضًا وزيرة الدفاع فلورانس بارلى إلى القاهرة، وزيارة وزير الاقتصاد الفرنسى برونو لو مير.