قبل عام واحد وقع على عاتق مصر مسئولية مزدوجة تجاه قارتها الإفريقية، حيث جاءت مسئوليتها كرئيس للاتحاد الإفريقى لتعزز مسئوليتها على وضع قضايا القارة على قمة أولويات السياسة الخارجية المصرية، التزاما منها نحو محيطها الإفريقي، بما عزز مكانة مصر وسط أشقائها الأفارقة.
تسلمت مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي في العاشر من شهر فبراير الماضي، وذلك للمرة الرابعة في تاريخها، حيث تعد إحدى الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الأفریقیة، الذي تحول اسمها فيما بعد لـ”الإتحاد الإفريقي”.
وتركزت مسئولية مصر تجاه أفريقيا، منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة الاتحاد في شهر فبراير الماضي على بذل الجهد والتمسك بوحدة دول القارة، تلبية لتطلعات وطموحات شعوبها في خلق قارة مستقرة ومزدهرة تكفل العيش الكريم لجميع أبنائها، حيث لم تعد إفريقيا هدفا فحسب بل أصبحت إرادة رئيسية نحو تحقيق التنمية المستدامة التي تنشدها دولها.
ومنذ تولت مصر رئاسة الاتحاد، بذلت القيادة السياسية جهدا مستمرا ومتواصلا من أجل تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالقارة الإفريقية، فحققت العديد من النتائج المبهرة على المستوى الإقليمي والدولي، الأمر الذي كان محل إشادة من الدول الأعضاء في الاتحاد وكبار مسئولي هيكله الإداري، حيث أعادت مصر تأكيد مبادئ وغايات الاتحاد الإفريقي نحو تعزيز السلم والأمن والاستقرار في القارة، فلم يترك الرئيس السيسي محفلا دوليا إلا وشارك فيه حاملا هموم وآمال شعوب القارة في الحياة الكريمة، والحصول على حقها في التنمية المستدامة وفرص العمل، فضلا عن دعوته لرجال الأعمال والشركات الدولية الكبرى إلى الاستثمار في إفريقيا، لما يتوافر فيها من فرص ومزايا لا حصر لها ومنها الموارد الطبيعية والأيدي العاملة.
وفي بانوراما عريضة للإنجازات التي حققها الاتحاد الإفريقي خلال فترة رئاسة مصر، فعلى المستوى السياسي بذلت مجهودا كبيرا لفت أنظار العالم تجاه الأزمات والمشكلات السياسية التي تعاني منها القارة السمراء.
واستضافت القاهرة اجتماعا رفيع المستوى لـ”الترويكا” الإفريقية ولجنة ليبيا، وناقشت القمة آخر التطورات على الساحة الليبية وسبل احتواء الأزمة، وإحياء العملية السياسية في ليبيا، والقضاء على الإرهاب، وذلك بمشاركة رؤساء رواندا وجنوب أفريقيا (عضوي ترويكا إدارة الاتحاد)، ورئيس الكونغو بصفته رئيسا للجنة المعنية بليبيا في الاتحاد، فضلا عن مشاركة رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي.
واستضافت كذلك قمة تشاورية للشركاء الإقليميين للسودان، والمنتدى الإفريقي الأول لمكافحة الفساد، ومنتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة، وأعمال اللجنة الوزارية المختصة للدفاع والأمن والسلامة الإفريقية والدورة العاشرة لمنتدى البريد الإفريقي.
وقدمت مصر أفريقيا للعالم من خلال المؤتمرات والمحافل الدولية التي شارك فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي متحدثا باسمها فى الأمم المتحدة، وفي القمة الألمانية الإفريقية التي عقدت في برلين مستهدفة تعزيز التعاون الاقتصادي بين أفريقيا ودول مجموعة العشرين، من خلال مشروعات مشتركة تسهم في الإسراع بوتيرة النمو بالقارة السمراء، فضلا عن إنشاء صندوق لتشجيع الاستثمار بأفريقيا.
وفي منتجع سوتشي الروسي، عقدت فعاليات المنتدى الاقتصادي الإفريقي الروسي الذي عقد لأول مرة على هذا المستوى في تاريخ العلاقات بين الجانبين بمشاركة 40 دولة، حيث قام الرؤساء المشاركون باعتماد إعلان ختامي يعكس المبادئ التي تم الإتفاق عليها، وأهمها احترام قواعد القانون الدولي، ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة؛ وتحقيق السلم والأمن، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، وتسوية الصراعات بالطرق السلمية؛ ودعم أجندة التنمية الإفريقية 2063، 2030، وتدشين آلية وزارية لمتابعة الحوار والشراكة بين الجانبين.
وفي العاصمة الصينية، عقدت قمة صينية إفريقية مصغرة على هامش اجتماعات مجموعة العشرين، وأكد المشاركون فيها حرص مصر على القيام بدور فاعل وداعم لتحقيق الأهداف المرجوة من المشاركة بين الصين وإفريقيا والتركيز على أولويات التنمية في إفريقيا.
وخلال مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية “تيكاد”، الذي عقد بمدينة يوكوهاما، تلك القمة رفيعة المستوى التي تنظمها اليابان سنويا لدعم أفريقيا وتطلعاتها التنموية، تم مناقشة أهمية التنمية الإفريقية من خلال الشعوب والتكنولوجيا والابتكار والاستقرار بالقارة، ومواصلة جهود إصلاح مجلس الأمن الدولي.
وممثلا عن قارة أفريقيا، شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي، في اجتماعات قمة مجموعة السبع الكبرى، بمدينة “بياريتز” الفرنسية.
وفي شهر ديسمبر الماضي، انطلقت فعاليات منتدى أسوان للسلام والتنمية بإفريقيا في نسخته الأولى والذي حقق الكثير من المكاسب لصالح القارة السمراء، حيث جاءت توصيات المنتدى بضرورة تشجيع دول القارة على تناول مشكلة النزوح القسري، بالإضافة إلى دعوة الاتحاد الإفريقي لمواصلة عمليات دعم السلام، وتشجيع دول القارة الخارجة من نزاعات على تمكين المرأة وتأمين حقوقها، مطالبة شراكات الاتحاد الافريقي بالاستثمار في القدرات البشرية.
ويعزز فوز مصر برئاسة لجنة السياسات الاجتماعية والفقر بالأمم المتحدة عن قارة أفريقيا، لمدة عامين 2020 – 2021، للمرة الثالثة على التوالي منذ إنشاء اللجنة عام 1979، الدور الريادي المصري بالقارة الأفريقية، في ظل ترأس مصر للاتحاد الإفريقي.
كما يعظم سبل دعم القارة الأفريقية في مجال تعزيز الهجرة الآمنة وتمكين المرأة، وتوفير الرعاية الاجتماعية بكل أشكالها وتكافؤ الفرص في مجالات التعليم والصحة وغيرها، في إطار تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، وكذا أجندة إفريقيا 2063.
ومن المقرر أن يتم استكمال أعمال اللجنة في إطار رئاسة مصر للجنة السياسات الاجتماعية لوضع الخطط المستقبلية لأعمال اللجنة خلال عامي 2020- 2021.
وعلى النطاق الاقتصادي، شارك السيسي في القمة التنسيقية المصغرة الأولى للاتحاد الإفريقي التي عقدت في نيامي، عاصمة النيجر في الثامن من يوليو الماضي، سعيا لتحقيق التكامل القاري والإصلاح المؤسسي للاتحاد الإفريقي، ومتماشية مع مُحددات الموقف المصري تجاه الجهود القائمة في هذا الصدد، حيث جرى تخصيصها للنظر في تقسيم العمل وتوزيع المهام بين الاتحاد والتجمعات الاقتصادية الإقليمية الإفريقية.
وتم خلالها إطلاق الأدوات التشغيلية لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، التى كانت اتفاقيتها من اهم أولويات الرئاسة المصرية للاتحاد الإفريقي، وسعت مصر لتفعيل إتفاقية الحرة وجعلها واقعا، نظرا لأنها تمثل علامة فارقة في مسيرة التكامل الاقتصادي للقارة، عملا بمبدأ “الاقتصاد عصب السياسة، والسياسة وسيلة الاقتصاد”، وستنشئ أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، وهو ما يمهد الطريق إلى اندماج القارة في مؤسسات وآليات الاقتصاد العالمي.
وساهمت مصر في إنشاء صندوق للاستثمار في البنية التحتية المعلوماتية، بهدف دعم التطور التكنولوجي والتحول الرقمي في القارة، وذلك لبناء اقتصاديات حديثة قائمة على أحدث النظم التكنولوجية، كما وقعت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، ومفوضية الاستثمار الإثيوبية بجمهورية إثيوبيا الديمقراطية مذكرة تفاهم في مجال تعزيز العلاقات الاستثمارية الثنائية.
وفي 22 نوفمبر الماضي، انطلقت فعاليات منتدى إفريقيا للاستثمار في نسخته الثالثة بالعاصمة الادارية الجديدة، بمشاركة عدد من رؤساء دول وحكومات مختلف الدول الإفريقية، وشملت التوصيات ضرورة تمويل المؤسسات الدولية مشروعات التكامل الإفريقي، واستمرار سياسات الإصلاح الاقتصادي وتحسين مناخ الاستثمار، ومساهمة القطاع الخاص في توفير فرص عمل للشباب، ودعم مبادرات التحول الرقمي في إفريقيا لمواكبة ثورة المعلومات.
وعلى المستوي الصحى ، تسلمت مصر رئاسة اللجنة الفنية المتخصصة لمكافحة المخدرات بالاتحاد الإفريقى، تزامنا مع المبادرات التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي في مجال الصحة، والتي تهدف إلي محاربة الأمراض السارية وغير السارية، وخاصة مبادرة “100 مليون صحة” والتي شملت فحص المقيمين من غير المصريين.
كما تعتزم مصر إنشاء مركز إقليمي لدعم مبادرات الصحة العامة يكون مقره القاهرة، وذلك لتفعيل مبادرات الصحة العامة في الدول الإفريقية للتخلص من الأمراض والأوبئة التي تشكل عبئًا كبيرا على الدول الإفريقية الشقيقة.
وفي مجال البنية التحتية ووسائل النقل والمواصلات، جاءت مشروعات الربط بين مصر ودول القارة الإفريقية وعلى رأس مشروعات البُنية التحتية (مشروع القاهرة- كيب تاون)، يضاف إلى ذلك مشروع الربط الكهربائي بين مصر ودول القارتين الإفريقية والأوروبية، عن طريق إمداد دول القارتين بالكهرباء من خلال الأبراج المعدنية العابرة للحدود، ومشروع الربط المائي (الإسكندرية- فيكتوريا) هو مشروع للربط المائي بين بحيرة فيكتوريا الواقعة في إفريقيا ومياه البحر الأبيض المتوسط في مصر، ويساهم المشروع في عمل نهضة إقليمية لكل دول حوض النيل.
وجاء عقد ملتقى الشباب العربي الإفريقي الذي استضافته أسوان في مارس الماضي، اهتماما من الرئيس بالشباب الإفريقي حيث شارك فيه أكثر من 1500 شاب أفريقي وعربي لمناقشة قضايا وتحديات القارة السمراء والمنطقة العربية، وفيه أوصى الرئيس بتشكيل فرق عمل من الشباب العربي والإفريقي، لتولي إعداد تصور خاص لتحقيق فرص التكامل العربي.
وبصفته رئيسا للاتحاد الإفريقي، ألقى الرئيس السيسي كلمة في 25 مايو الماضي بمناسبة الاحتفال “بيوم أفريقيا”، أكد خلالها أهمية تأهيل شباب القارة لمواكبة تطورات العصر، والاضطلاع بمهامهم في قيادة مستقبل أفريقيا.. فضلا عن مواصلة تعزيز دور المرأة الأفريقية كقلب نابض لمجتمعاتها ونبراس لتحولها الاقتصادي واستقرارها.. بالإضافة إلى تدعيم الروابط الثقافية والحضارية بين شعوبها، ترسيخا للهوية الأفريقية وإعلاء لمبادئ التضامن الأفريقي.
لقد أوفت مصر ما وعد به الرئيس عبدالفتاح السيسي في كلمته بالقمة الأفريقية، التي انعقدت بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وتسلمت فيها مصر رئاسة الاتحاد، أنها ستعمل جاهدة على مواصلة الطريق من أجل الإصلاح الهيكلي والمالي للاتحاد، واستكمال ما تحقق من إنجازات ترسيخا لملكية الدول الأعضاء لمنظمتهم القارية، وسعيا نحو تطوير أدوات وقدرات الاتحاد ومفوضياته لتلبية تطلعات الشعوب الإفريقية، وتعزيز أطر التنمية المستدامة لتوفير مزيد من فرص العمل للشباب الإفريقي.