الشائعات أو “الإشاعات” كما يحلو للبعض نطقها، الشائعات في تعريفها الأكاديمي هي: ” خبر أو مجموعة أخبار زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع و تُتداول بين العامة ظناً منهم على صحتها”، هذه الأخبار الزائفة عبارة عن سم زعاف يسري في أوردة المجتمع.
لست هنا بصدد تكذيب شائعات بعينها، ولا اتهام شخص أو فصيل بعينه، ولكن أكتب ما عانينا منه طوال سنوات مضتت وحتى يومنا هذا من الشائعات، “فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين”، كم أسرة في مصر تشردت بسبب شائعة؟ كم روح أزهقت بفعل شائعة؟ كم طفل تيتم بسبب شائعة؟ كم شركة أعلنت إفلاسها بسبب شائعة؟
ظهور شائعة حول فتاة أو سيدة في صعيد مصر كفيلة بقرع طبول الحرب لسنوات، حتى لو تأكد الجميع من كذب هذه الشائعة يرد البعض “العيار اللي ميصبش يدوش”.
ظهور شائعة عن علاقة حب بين فتاة مسيحية وشاب مسلم أو العكس، كفيلة بإشعال نيران الفتنة واراقة دماء أبرياء، وقد تصل إلى حرب شوارع كما حدث في المنيا في 2016، و في الأقصر 2017، وقبلها في الفيوم والبحيرة ودمياط.
شائعة عن علاقات نسائية لمذيع قطاع الأخبار “إيهاب صلاح” أدت إلى قتله لزوجته، بعد مشادة دارت بينه وبين زوجته بعد عودته لمنزله متأخرا، المشادة انتهت بقتله زوجته بطلق ناري من مسدسه المرخص!!
“إيهاب رمزي” مكوجي من منطقة الساحل يبلغ من العمر 47 سنة، له شقيقة أرملة عمرها 43 عام، أطلق أحد الجيران عليها شائعة أنها علاقة بأحد شباب المنطقة، فما كان من شقيقها إلا أن أحضر “شومة” وهشم بها رأسها، ليكتشف بعد ذلك أن من أطلق الشائعة شخص مستهتر حاول التحرش بالمجني عليها، فما كان منها إلا أن وبخته وهددته بأنها ستخبر شقيقها بأفعالها القذرة، ولأنها حافظت على نفسها كان مصيرها القتل والسبب شائعة.
في عام 1975 وفي أقصى جنوب مصر “قنا”، أطلق أحد الشباب على فتاة أنه رأها في زراعات القصب مع شاب آخر، وصلت الشائعة لأشقائها الذكور فقرروا قتلها، وحين علمت الأم دافعت عن ابنتها وأقسمت أن ابنتها لم تترك المنزل نهائيا، فما كان من الأشقاء إلا أن قتلوا الأم والابنة بوضعهما في أجولة وربط الأجولة بحجارة ثقيلة وقاموا بإلقائهما في نهر النيل، وبعدها بسنوات سقط مطلق الشائعة من فوق دابته على قضبا القطار وفقد ساقيه، وطلب رؤية أشقاء الفتاة واعترف لهم بأنه من أطلق الشائعة عليها لأنه أرسل لها شقيقته وطلب لقاءها فرفضت وطردت شقيقته من المنزل!!!
في منتصف أغسطس من عام 2008، تعرضت البورصة المصرية لهزة عنيفة وصفها المحللون – وقتها – بأنها الأسوأ في تاريخ البورصة المصرية، وسيطر اللون الأحمر على معظم شاشات التداول، حنى أن بعض المستثمرين قاموا بالتظاهر أمام مقر البورصة، وكانت هذه الخسائر الكبيرة في السوق نتيجة شائعة هروب أحد كبار المستثمرين المصريين لاتهامه في احدى القضايا الامر الذي هبط باسهم القطاع العقاري وفقد مؤشر هذا القطاع 451نقطة وفقد سهم شركة هذا المستثمر 30 بالمئة من قيمته في جلسة تداول واحدة، وبعدها أغلقت شركتان نهائيا نتيجة للخسائر الفادحة التي تعرضتا لها.
الشائعات سوس ينخر في عظام الوطن، فهذا الشاب الذي قتل شقيقته وهذا الإعلامي الذي قتل زوجته، أليسوا من أبناء الوطن؟ الفتنة التي تشتعل بين الحين والآخر أليست هدما لركائز الوطن التي أهمها “الوحدة الوطنية”.
قبل أن تصدق شائعة عليك أن تفكر جيدا، ما أسبابها واختيار وقت اطلاقها، وما هو مصدرها، أما من يطلق الشائعات فهو بكل أسف مريض نفسي ويحتاج لعلاج طويل المدى، أو ربما يتم تحريكه بأيدي خفية بمقابل مادي أو معنوي والنوع الثاني أكثر خطرا على المجتمع.
لكن علينا أن نعي تماما أن كلمات عبدالوهاب محمد وألحان بليغ حمدي، صدقت في الجملة الغنائية “خربت بيتنا الاشاعات”..
سهى علي رجب