يقر “آرن بيك” أن لعب الأدوار وقيام كل فرد بالدور المناسب لجنسه يساهم بطريقة أو بأخرى في إحداث التوافق النفسي والاجتماعي للفرد داخل الجماعة وعليه فإن تبادل الإدوار قد يكون سببًا في إحداث سوء التوافق النفسي والاجتماعى.
وقد يؤدى لعب الأدوار السيء إلى نفس النتيجة السيئة لتبادل الأدوار وإليك هذا النموذج لإيضاح هذه الفكرة :
امراة من صعيد مصر تزوجت في سن الثالثة عشر، ثم مات عنها زوجها في سن الثلاثين، على مدار السبعة عشرة عامًا التى عاشتها مع زوجها انجبت له أربع بنات وولد.
أين تبادل الادوار في الأسطر السابقة؟
نظرا لحالة الضعف الصحي الذى كان يعاني منها الزوج بالإضافة إلى جانب حالة الحب المفرط ناهيك عن استعداد الزوجة للسيطرة وفرض الهيمنة عملت الزوجة بكل ما تملك على كسر زوجها وفرض سيطرتها وذلك من خلال ارتفاع مستوى طموحها بما لا يتناسب مع إمكانيات زوجها، الامر الذى جعله يعمل في أكثر من عمل مما أصابه بكثير من الوهن، ناهيك عن تمنعها عنه مما زاد الشوق في داخله حتى أصبح مع الأيام كالخاتم في إصبعها مما أفضى في النهاية إلى تبادل الأدوار حتى أضحت هي الذكر وهو الأنثى، وأمام كل هذا الضغط النفسي وإنهاك القوى الصحية أصيب الرجال بالأمراض التى أودت بحياته.
أذن أين لعب الأدوار؟
الزوج برغم الضعف والوهن إلا انه كان يمثل للزوجة “المسترجلة” الدعم المادي والمعنوي. وبعد موت الزوج تحتاج الزوج إلى من يدعمها ماديًا ومعنويًا.
بالنسبة للدعم المادي لجأت الزوجة إلى معاش الزوج ومساعدة أهل الخير بالإضافة إلى العمل استطاعت أن تتغلب على هذا الجانب ولعل للعمل بوجه عام فوائد وبالأخص مع هذه المرأة فقد قال عمر ابن الخطاب: “إذا كان العمل مهلك فالفراغ مفسدة”. ربما مع سرد الأحداث تتحقق من ذلك.
تعبت الزوجة فى العمل ليلًا ونهارًا حتى تكفي الأولاد مؤنة العيش هذا هو الظاهر ولكن الباطن هو محاولة إلهاء النفس عن متطلبات الروح بإنهاك الجسد ولكن مع إلحاح الروح فلا بد من تحقيق متطلباتها والتى كان يشبعها الزوج قبل مماته من هنا تظهر فكرة اللعب بالأدوار، حيث أصبحت تمارس دور الأم وتجعل من الأبناء الزوج لتستعيد منهم المفتقد لروحها حتى تستطيع البقاء والإبقاء.
وظلت على هذا الحال تعطى الأبناء الدعم المادي كأم والأبناء يعطونها الدعم المعنوي كزوج، وبهذا تتبلور الحياة الأسرية لديهم في الأخذ والعطاء وتبادل الاحتياجات وهذه مزية أدت إلى إظهار الأسرة واتسمها بالمثالية فأصبحت المرأة رمزًا للعطاء والاحترام والإجلال لدى الجميع وخاصة بعدما تخرج جميع الأبناء من الجامعات وأصبحوا أصحاب شهادات يشار إليهم بالبنان ولإمهم بالامتان؛ عندئذٍ يُقبل الخُطّاب للإرتباط بهذه الأسرة العصامية البنيان المترابطة الأركان.
تتزوج الكبري في إحدى قرى الصعيد لتعيش مع زوجها حياة مستقرة قوامها المودة والرحمة وتنجب له من الأبناء الذكر والأنثى يفرح بهم وتفرح بهم، وتمر السنون لينقل الزوج محل عمله والإبنة الكبرى ليسكنوا بجوار الأم وهنا تتحرك في الأم مشاعر الغيرة من زوج ابنها فهو لها بمثابة “الضرة” لأن ابنتها لها بمثابة الزوج؛ فبدأت تضيق عليهم وتحاول كسر إرادة زوج ابنتها وتفرض سيطرتها عليه، الأمر الذي تفاقم وجعل المشاكل تزداد والنار تشتعل لتتحول الأسرة من الهدوء والإتزان إلى الخراب والدمار مما جعلها تسعى لتطليق ابنتها “الزوج” من زوجها “الضرة” وقد كان ووقع الطلاق.
قد تستغرب الكلام ولكن ما يؤكد صدق المقال أن ابنتها الثانية “زوجها الثاني” تزوجت بالقرب منها وظلت تفرض سيطرتها على زوجها “الضرة” حتى وقع الطلاق.
ربما تحولت الصورة إلى شكل قاتم قد تجعلك في حالة من الضيق.
مهلًا لا تستعجل الضيق والاكتئاب إلا بعدما تعرف ماذا حدث للابنة الثالثة عفوًا “للزوج الثالث”.
فقد تزوجت من شاب يعمل صحفيًا في عدة جرائد من أصول صعيدية يتمتع بقدر عالٍ من الوسامة والقدرة على الاحتواء، جذب انتباه الجميع، استحوذ على قلب الابنة الثالثة حتى تم الزواج بسرعة البرق ثم الحمل والإنجاب لينجب ابنته الأولى، ثم حدث الحمل الثاني وأنجبت الابنة الثانية، حمد الله وسعد الصحفى بالطفلتين، وعمل على تربيتهما تربية صالحة، ولكن لم تتركه أم زوجته يحقق مراده مع طفلتيه، وتدخلت لتفسد عليهما حياتهما فظلت تضيق على الصحفي “الضره” حتى نفذ الصبر ووقع الطلاق للابنة الثالثة.
بعدما شاهدت هذه الأحداث ربما لا تصدق وتتساءل في نفسك عن مصير الابنة الرابعة والولد الخامس.
لا تستعجل الأحداث ولا يدفعك الفضول فلربما تتوقع مصيرهما.
حقا كما توقعت!!
تزوجت الرابعة من شاب مفتول العضلات قوي البنيان يتسلح بمبدأ إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب، ويتمثل بالمثل الشعبي (العائلة اللي فيها صايع حقها مش ضايع) وأمام هذا النموذج المختلف من الضرائر لم تستطع المرأة أن تتعامل معه بنفس الأيدلوجية السابقة لأنه في أول تصادم بينهما رفع عليهم السلاح مما جعلها تدرك أنها تتعامل مع نموذج الموت أقرب إلى قلبه من الحياة، الأمر الذى جعلها تعقد هدنة معه من باب ما لم أستطع أن أفعله مع ضرتي فعلته مع زوجي وقد كان فقامت بالضغط على أعصاب ابنتها حتى حولتها لمضطربي نفسيًا تصاب بنوبات الصرع من وقت لآخر، وخاصة فى ظل وقوع البنت في صراع ما بين إرضاء الأم المتسلطة والزوج المتهور.
تبقى الابن الأخير الذي كان مصدر القوة وآلة الإيذاء التي تستخدمها الأم وخاصة بعدما أصبح الابن يتحرك بإشارة منها فكان يعمل كالآلة ب”الريموت كنترول”.
كم جعلته يتطاول بالضرب والإيذاء على زوج ابنتها الأولى حتى عمد ذات مرة إلى طرده من بيته.
كم بثت السم فيه حتى جعلته يقف بالمرصاد لزوج ابنتها الثانية تحت مسمى الرجولة وباستخدام المفاهيم المغلوطة.
كم قامت بالبكاء والاستعطاف حتى هيجت مشاعره فأصبح لا يميز بين الخطأ والصواب، الحقيقة والسراب، مما جعله يندفع ويقوم بإنزل جميع منقولات ومصوغات الابنة الثالثة على إثر مشاجرة، كان الحل بالعشم أقرب منه إلى الحل بالغشم.
كم قامت بمحاولة جعل الزوج الرابع لابنتها مصدر قوة لابنها ولكن دون جدوى فقد قدم كلاهما القوة على الحكمة فأصبحا إلى التهور أقرب منه إلى التروي، أصبحا إلى العناد أقرب منه إلى العتاب، أصبحا إلى الكراهية أقرب منه إلى الحب.
والآن تعيش الأم وحولها أزواجها الأربعة في محاولة لجذب الابنة الأخيرة “الزوج الخامس” ولكن ما يمنع إيجاد الزوج المرض والخوف.
مثال واقعي لأسرة ظهرت للجميع على أنها أسوة وقدوة ولكن مع الأيام ظهر للجميع أنها وصمة وبلوة.
وانطلاق من أهداف علم النفس ما الذى تتوقعه للجيل الثاني لهذه الأسرة؟
١- بناء الشكل وانهيار المضمون.
٢- إظهار التحدي وإنعدام التمني.
٣- التكرار المأسوي الناتج عن التقمص الاسقاطي .
٤- جميع ما سبق.