تعاطي ورُدود فعل القوى والمُنظمات والبرلمانات الدّولية، وقادةُ الدُّول العظمى، ومُنظمات حُقوق الإنسان، والأمم المُتحدة، مع قضية مقتل الصّحفيّ السّعودي جمالُ خاشقجي رحمهُ الله، وتحويل القضية لقضيَّة عالميَّة، وتسخيرُ كافة الإمكانيَّات وأجهزة الاستخبارات لجمع المعلومات والتحقيق في القضية للكشف عن حقيقة ما حدّث داخل القُنصليّة السعوديّة بتركيا، وأبعادُها ومُلابساتها، والمُتورطين فيها، والمُطالبة بالمُحاسَبة، والتصعيدُ الدوليّ ضد المملكة العربية السعوديّة، حتى عقب إعلانهَا نتائج التحقيق واعْتقال 18 شخص من المتورّطين في القضيَّة، وإقالة عددٍ من المسئولين في الدّيوان الملكيُّ وجهاز الاستخبارات، كشف عن ازدواجيَّة المعايير في سُلوك المُجتمع الدَّوليُّ في التعامُل الدَّوليُّ مع القضايا من مُنطلق تصْفية حساباتٍ سياسيةٍ بحتةٍ ومصَالح ومكَاسب بعيدةً كل البعد عن ما يتشدّق به قادةُ الدول من رعاية حُقوق الإنسان والحرّيات، والسّلام العالميّ.
مع كامل التّعاطف مع الصّحفيّ السّعودي جمال خاشقجي، وخالص التّعازي لأسرتِه، ولكنّ أن ينْقلب العالمُ رأسًا على عقب لاختفاء صحفي، وأن تختصر أزماتُ العالم أجمع في اختفاء شخص، في وقت يُقتلُ ويُشرّد ملايين الأطفال والنَساء وتستباحُ أوطان، من كيانات إرهابيَة منذ 8 سنوات في ( ليبيا- سُوريا- اليمن)، في ظل صمت دُولي وعجْز كامل عن القيام بنصف الدّور الذي قامت به القوى الدّوليّة لكشف مُلابسات مقتل خاشقجي داخل القُنصليّة.. إذن لا تتحدَّثوا عن ميثاق أمم متحدة، ولا سلامُ دوليّ ولا حُقوق الانسان ولا مبعُوثين دوليين، ولا مُؤتمرات سلام، ولا مُبادرات لحلّ الأزمات، بلْ دعنا نتحدّث عن سياسة المصالح والمكاسب والقوّة، والصّفقات والنفوذ ، نحنُ في واقعٍ لا علاقة له بالإنسان وحق الحياة، والحرّيات.
التعاطي العالميّ مع قضيّة جمالُ خاشقجي لا تقلُّ عن الاهتمام الدّوليّ والتعاطي الإعلاميّ المُكثف الذي حدّث مع مقتل الطفل مُحمد الدرّة على يد الاحتلال الاسرائيليِّ، ولا تقل عن التعاطي مع صُورة الطفل السوريّ عمران الذي نجا من القصف بحلب، ولا قصّة الطفل السوريّ الغريق أيلان كرديّ الذي جرفتهُ الأمواجُ على سواحل تركيا، مُجملها قضايا شغّلت الرّأي العام العالميّ وانتَفضت لها القوى الدوليّة، لفترة طويلة من الوقت، والسؤال هُنا هل حلت القَضيّة الفلسطينيَّة؟، هل حلّ السَّلامُ في سُوريا؟، هل تحرّكت تلك القوى لوقف الحرب، أم تحرّكت من مُنطلق مُخططاتها لتقسيم الدّول وعقد صفقات تسليح، ودعم لأطراف الصّراع بشكل يُحقق أهدَافها ويُؤمن مصالحُها في تلك المنطقة.
لا تتَحرّك القوى الدّوليّة في تَعاطيها مع القضايا سوى من مُنطلق المصالح والمكاسب والشو الإعلاميّ والضُّغوط أحيانًا وليس الإنسانيَّة، وحُقوق الانسان، والحُرّيات، فتلك المُصطلحات غير صالحة للاستخدام في ظلّ مُجتمع دوليّ يبدُو أنه كفر بالإنسانيَّة وحق الحياة والعيش بسلام، بعد وُقوفه صامت أمام الأزمات الإقليميّة، دُون تدخل بل ساهم في تغْذية وتأجيج الصّراعات، وصولًا لإسقاط الجُيوش الوطنيّة، وتفتيت المنطقة، لتحقيق أغراض خبيثة، وإضعاف الأمة وإذكاء الحُروب لبيع السّلاح، ونهبُ ثروت البلاد، والسّيطرة علي مُقدّراتها، وصولاً لتقسيمها وتحويلها لخاضعة للإدارة الغربيّة، لاستعادة أمجاد فترات الاحتلال، وتقسيم النفُوذ الدوليّ في المنطقة.
كذب الإعلامُ الدولي وأن صدق في جُزء من قضيَّة خاشقجي بدعم أجهزة استخباراتية، لا تصدَّقوا سياسات الإغراق المعلوماتيّ، التي تمارسُها الصُّحف والوكالات والقنوات العالميَّة، في التعاطي مع القضايا في منطقتنا العربية، لا يمكن النظر إليها بمعزل عن مُحاولات فرض الأجندات واحتلال العُقول والتشكيك في الإعلام المحليّ، وافتقادُ الثقة الشعبيّة في الأنّظمة، بغية اختراق تلك الشعوب وتطويعها إعلاميًا وتوجيهها لصالح مُخططات أجهزة الاستخبارات التي حوَّلت وسائل الإعلام لإحدى أدواتها الفعالة.
مُخطّطات هدم الأمم والشعوب، وتقسيمُ الأوطان، عبر تفتيت الجبهات الدّاخليّة في الدول، والتشكيك في المستقبل والانظمة الحاكمة، لا تحتاج الآن لأسلحة فتاكة ولا قنابل عنقوديّة، ولا صواريخ باليستيّة، ولا قنابل كيميائيّة، لا تحتاج سوى منصة إعلاميّة قوية، ينفذ من خلالها أفكار هدامة تخترق عُقول الشعوب، تدريجيًا وصولًا لمرحلة التحكم والتوجيه، والتطويع لتنفيذ الأجندات بطواعية كاملة، دون أدّنى تفكير في مآلات وخطورة تلك التوجّه، ولعلَّ دور الحرب الإعلاميّة التي مُورست إبان الغزوُ الأمريكي للعراق وفي مُقدّمتهم قناة الجزيرة، والدّورُ الذي لعبته لإذكاء ثورات الرّبيع العربي، وإسقاط الأنظمة، والمُساهمة في إحلال الفوضى والحُروب، لأبلغ دليل على خُطورة سلاح الإعلام الدّوليّ والحروب التي يخوضها حاليًا في المنطقة، ولعل المنطقة كاملة تدفع فاتورة الغزو الإعلاميّ للشعوب ومُحاولة احتلال العقول مُنذ 2011 وحتّى الآن في ظل العجز عن امتلاك منصة إعلاميَّة قادرة على التّأثير في مُحيطها وتحرير العقول من الاستلاب للإعلام الغربيّ.