لم يجلسْ يوماً إلى المنصَّة، وودَّعَ السلكَ القضائى مُبكراً جداً، ولكنه يصرُّ إصراراُ على أن يقرنَ اسمه بلقب “المستشار” زوراً وبهتاناً، سواء فى وسائل الإعلام، أو على لافتات مكتب المحاماة الذى يمتلكُه، أو عند الحديث عن نفسه أو مع نفسه.
هذا المستشارُ الكذوبُ ليسَ وحدَه، فهذا الذى يتحصَّنُ برتبة “اللواء”، كاذبٌ أيضاً؛ لأنه طُردَ من الخدمة برتبة “نقيب”، ولكنه لا يزالُ يعيشُ فى أحلام اليقظة، حيثُ يُرقِّى نفسه مع زملائه بالخدمة!
هذا الإخوانىُّ السابقُ، الذى جعلَ من نفسه “مُفكراً ومُنظراً سياسياً”، فى غفلة من الزمن، لا يمانعُ من أن يسبقوا اسمَه عند استضافته تليفزيونياً أو إذاعياً بلقب “الدكتور”، رغمَ أنه لم يحصلْ سوى على شهادةٍ جامعيةٍ من كلية الحقوق بتقدير “مقبول”.
أمَّا ذلك القادمُ من إحدى محافظات شمال الصعيد، ليطعنَ فى الأديان السماوية والكتب المُقدسة، ويعيثُ فى رؤوس العامة والبسطاء فساداً، مُدَّعياً حصولَه على درجة “الدكتوراه” من إحدى الجامعات الأمريكية، فهو اكتفى “فى الأساس” بشهادة الثانوية العامة، وكان مجموعُه يومئذ لا يؤهله “أصلاً” للالتحاق بـ”معهد التمريض”!
كذلك.. هذا الذى تركَ الصحافة؛ ليخوضَ غِمارَ السياسة، لم ينسَ “من لزوم البرستيج”، أن يسبق اسمَه بلقب “الدكتور”؛ ضمن سلسلةٍ طويلةٍ من “الأكاذيب الشخصية” التى ينسجُها حول ذاته المُتضخِمة، رغم أنه لم يكلفْ نفسه عناءَ الالتحاق بالدراسات العليا بعد إنهاء شهادته الجامعية التى أخذت من عمره ثمانى سنوات.
أما هذا الإعلامىُّ المغوارُ والسياسىُّ الجبارُ، الذى لا يجيدُ ضبطَ كلماته ولا ترتيبَ عباراته، ويعتمدُ على شخصيته الهزلية والكاريكاتيرية، فلا يزالُ يقدمُ نفسَه للناس، ويقدمُه الناسُ، باعتباره “الدكتور فلان الفلانى”، رغم أنه حصل على شهادة معهد “الخدمة الاجتماعية” بصعوبة بالغة، ولم يعقبها بـ”دبلومة أو دراسات عليا أو ماجستير”، أو ما دونَ ذلك .
هذا الطبيبُ الذى يحشدُ فى جميع لافتاته الدعائية وكروته الشخصية مجموعة من الألقاب والدراسات والشهادات، فهو – فى حقيقة الأمر- ليسَ أكثرَ من “ممارس عام”، ولكنه وجد ضالته فى هذه “الكذبة الكبيرة”، حتى نسى “أصله”، فراحَ يُنظِّرُ على القامات العلمية السامقة، والراسخين فى العلم، ويُشككُ فيهم ويطعنُ فى علمهم!
أما ذلك الضيفُ الثقيلُ الذى يتنقلُ بين ستوديوهات ماسبيرو، ويظهرُ فى برامجه الرئيسية مثل: “صباح الخير يا مصر”، باعتباره عالماً فذاً، وأستاذاً جامعياً بإحدى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية، فإنَّ الواقع يكشفُ كذبه وادعاءه الرخيص؛ إذ لا وجودَ لتلك الجامعة التى ينسب نفسَه إليها “من الأساس”!
ولا يخدعنَّك هذا الأستاذُ الجامعىُّ والرمزُ الرياضىُّ الذى يُقدِّمُ نفسه للرأى العام، باعتباره رجلاَ شريفاً نزيهاً، خاصة بعد إدانته بحُكمٍ قضائىٍّ باتٍ بسرقة كتابه الأخير.
أمَّا هذا الشاعرُ الثائرُ، أحدُ إفرازات الثورتين الأخيرتين، فلم يتوارَ خجلاً، ولم يوقفْ أمسياتهِ مدفوعة الأجر، بعدما ثبتَ أيضاً سطوُه على أشعار غيره، وتضمينها فى دواوينه والتربح منها مادياً ومعنوياً والصعود من خلالها إلى منصَّات التتويج والحصول على جوائزَ مليونيةٍ.
وقد لا تعلمُ أن رئيس الجامعة الذى كان يزعجُنا بالحديث عن “الضبط والربط” داخل الجامعة، فضلاً عن خطبه وكتاباته عن القيم النبيلة والأخلاق الرفيعة، تمتْ إدانته بالتزوير فى أوراق رسمية، حتى يبقى فى الخدمة إلى عمر 65 عاماً، وليس 60 عاماً.
وربما غرّتك تلكَ المذيعة الرقيقة الناعمة الحالمة، بحلو حديثها، عن الحياة الزوجية، والعلاقة بين الزوجين، وضرورة أن تسودَها الرحمة والسكينة والألفة؛ وتمنيتَ أن تكون زوجتُك مثلَها، لسبب بسيط، وهو أنك لم تعلمْ بعدُ أنها جرَّدتْ زوجها الأولَ من كل ما يملكُ وتحرمُه من رؤية ابنيه، وتستعدُّ لتكرار السيناريو ذاته مع زوجها الثانى، بعدما كلفت محاميها بمقاضاته أمام محاكم الأسرة، وبدأتْ فى حملة التشهير به وسطَ صديقاتِها ومعارفِها.
أما هذا المطربُ الذى يتظاهرُ بالوطنية فى أعماله وإطلالاته التليفزيونية، فهو يستعينُ هو وزملاؤه المطربون الوطنيون مثله، بمحاسب كبير، لتزوير إقراراتهم الضريبية كل عام، حتى لا يدفعوا مليماً واحداً لخزينة الدولة التى يتغنَونَ باسمها.
وإذا وجدتَ أحدَهم يناضلُ باستماتة من أجل التمكين للمرأة، فلا يساورْك شكٌّ فى أنه يناضلُ من أجل تمكينه شخصياً من المرأة!
ولا توهمك تلكَ الفنانة الناعمة التى تطالبُ بحقوق الكلاب والدفاع عنها، لأنها لو كانت صادقة فى كلامها، ما أوسعتْ خادمتها ضرباً وركلاً وتعذيباً.
ومِن المؤكدِ.. أنَّ هذا الشيخَ الفصيحَ كان يُبهرُك ويُقنعك بدعوته إلى الزهد والترفع عن ملذات الدنيا، انتظاراً لنعيم الآخرة؛ مُعتمداً على عدم معرفتك بحالةِ الرغد التى يرفلُ فيها، من قصرٍ منيفٍ، إلى سيارتين فارهتين، إلى شاليهين، أحدُهما فى الشمال، والثانى فى الجنوب، فضلاَ عن استبداله النساءَ، كما يسبتدلُ أحدُنا جواربَه.
حتى ذلك المتسولُ، الذى كنتَ تُشفقُ عليه كلما مررتَ عليه، فقد أوقفته الشرطة مؤخراً، واكتشفتْ أنه “مليونير” بالمعنى الحرفى للكلمة، وأنه يتخذُ من التسُّول مِهنة وحِرفة، فكوَّن ثروة طائلة، وصار له حسابٌ بنكىٌّ، وبناية شاهقة فى مسقط رأسه بجنوب مصر، فى الوقت الذى لا تزالُ تتنقل فيه من شقة “إيجار جديد” إلى أخرى، وتعجز عن سداد أقساط ربع سنوية لشراء شقة صغيرة، وتُخرجُ طفلكَ الوحيدَ من مدرستهِ الخاصَّة، إلى مدرسةٍ حكوميةٍ، ترشيداً للنفقات، وترتيباً للأولويات، وتجنباً للاقتراض..