“مجمع الخالدين”.. يواجه المجهول.. بقلم – مختار محمود

مقالات , No Comment

وددتُ أن لو تعامل الخائضون فى معركة “مجمع الخالدين”، التى اندلعت مؤخرًا برفق مع طرفى الأزمة: الرئيس المُنتخب الدكتور حسن الشافعى، والرئيس المُعين رغم السقوط الدكتور صلاح فضل؛ ففضلاً عن أنهما قامتان علميتان، فإنهما قد بلغا من العُمر عتيًا، فالأول أتم التسعين عامًا، والثانى أكمل عامه الثانى والثمانين، ومن ثمَّ كان ينبغى أن تخلو المعالجات الصحفية التى تفاعلت مع الأزمة من التجريح و”التلقيح” والغمز واللمز؛ فإِنَّ من إجلال اللَّه تعَالَى إِكرامَ ذي الشَّيبةِ المُسلم، وهو ما لم يحدث بشكل كامل، حيث تم التعامل معهما بمنطق مشجعى “الدرجة التالتة” ومتعصبى كرة القدم، وهذه آفة توطنت الوسطين الصحفى والثقافى، وتوغلت فيهما بشكل مَرَضى، كل حزب بما لديهم فرحون. لا يعرف أقدار الرجال إلا رجال أمثالهم، أما التعامل بمثل هذا التدنى والرخص مع “الشافعى” و”فضل” فهو يعكس حالة متقدمة من الخلل والزلل، كما يهدر ما تربينا عليه من قيم ومبادئ ومُثُل عليا، ويجعلها فى خبر كان!
تجاهل الغاضبون المكانة العلمية الرفيعة، والسيرة الذاتية الرصينة للرئيس المستبعد بفرمان وزارى بعد انتخابات حقق فيها فوزًا كبيرًا، ورئيس مُعين بالفرمان ذاته، متجاهلاً القوانين والمعايير والضوابط الحاكمة. فى دولة القوانين والمؤسسات ما هكذا تورد الإبل، ولا تدار الأمور ولا تصدر القرارات. من المؤكد أن الوزير المعروف إعلاميًا بـ”وزير البنج بونج” لم يستشر أحدًا من فريق مستشاريه ومعاونيه قبل اتخاذ هذا القرار، وربما لا يعرف الوزير المكانة العلمية الرفيعة للعالم الجليل الدكتورحسن الشافعى، وربما يجهل قدر مجمع الخالدين نفسه، فتعامل بغشم غير مبرر، فجاء الإخراج – كالعادة- باهتًا هابطًا. كما لم يكن من الرجاحة أن يستعين الوزير بمرشح ساقط وحاصل على على قدر ضئيل من الأصوات، ولا يحظى بقبول حسن من أعضاء المجمع بصفة خاصة، ومن الأوساط الأدبية والثقافية بصفة عامة، وكان من الممكن أن يستعين بشخصية لا اختلاف عليها وتحظى بإجماع كبير. من المؤكد أيضًا.. أن الوزير، فى ظل انشغالاته بالشهرة والأضواء، لا يملك الوقت الكافى لمطالعة ما تكتبه الصحف العربية الرصينة غير الموجهة أو المؤدلجة عن الدكتور صلاح فضل، ومن بينها ما كشفته الباحثة الجزائرية “سومية تونسى” فى بحثٍ مطوَّلٍ من اتهاماتٍ بحقِّه، عندما طالبته نصَّاَ بـ “رد الممتلكات الفكرية إلى أهلها”، فلم يرد ولم يعقب ولم يخجل ولم يعتزل، بل انضم صاغرًا إلى المعسكر المعادى للإسلام، يتحدث بألسنة أفراده، ويتبنى أفكارهم ويدافع عنهم، ومن ثمَّ كانوا هم الأكثر سعادة وترحابًا بقرار مطعون على صلاحيته وشرعيته وقانونيته. وربما يخفى على الوزير أيضًا ما يتردد عن “صلاح فضل”، بأنه ينتهج منهج الناقد الأدبى محمد دسوقى فى فيلم “مرجان أحمد مرجان” الذى غير رأيه فى الديوان الشعرى المسروق مقابل ساعة ثمينة، فهل مثل هذا الرجل يستحق أن يجلس على الكرسى الذى تناوب عليه قامات كبار مثل: أحمد لطفى السيد وطه حسين وإبراهيم مدكور ومحمود حافظ؟
وأخيرًا.. فإن الاختلاف- فى حد ذاته- لا يجب أن يفسد للود قضية، كما لا يجب أن يكون دافعًا للتطاول والهجوم على الكبار، ولا شك أن “الشافعى” و “فضل” كبيران علمًا ومكانة، لهما كل الاحترام والتوقير، بل يجب أن تكون المعركة الحقيقية هى سبل تطوير مجمع الخالدين وإعادته إلى الحياة، بدلاً من تركه يواجه مصيرًا غامضًا ومجهولاً!


بحث