نظم المركز الثقافى الروسى أول من أمس الأحد ندوة لعرض كتاب «القاهرة موسكو وثائق وأسرار 1952ــ1986»، للدكتور سامى عمارة وذلك بقاعة الندوات بالمركز الثقافى الروسى، ويعد الكتاب الصادر عن دار الشروق رصدا للعلاقات المصرية السوفيتية خلال الفترة ما بين 1952ــ1986، ولكن ليس بطريقة سرد عادية أو معلومات معروفة ومكررة ولكنه يحوى الكثير من الأسرار والخبايا التى تكشف لأول مرة من خلال الوثائق السوفيتية ومحاضر الجلسات وبعض مذكرات السفراء السوفيت، والتى تحكى عن علاقة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مع الزعيم السوفييتى «خروشوف»، وكذلك الأحداث التى أعقبت النكسة، ثم علاقة الرئيس الراحل السادات بالسوفيت وطرد الخبراء الروس، وإفشاء أحد أهم أسرار حرب أكتوبر فى رسالة شخصية إلى هنرى كيسنجر، سرعان ما بلغت تفاصيلها إلى جولدا مائير فى تل أبيب والذى كان بمثابة إعلان عن تحولات جذرية فى المنطقة.
تحدث الدكتور سامى عمارة عن أن هذا الكتاب يتضمن عدة محاور أولها الذى بدأ بشكل فعلى وحقيقى فى عام 1952 بعد قيام ثورة يوليو، حيث كانت تنظر القيادة السوفيتية إلى ثورة يوليو على أنها «انقلاب» وكانت ترى أن العلاقة مع العسكريين لن تعود بالخير على البلاد، واختيار الفريق عزيز المصرى كسفير مصرى لدى الاتحاد السوفيتى كان من الأشياء التى زادت الأمر تعقيدًا، وذلك لأنه من الشخصيات غير المقبولة وغير المرحب بها لدى السوفيت.
وأوضح عمارة أن المحور الثانى هو صفقة الأسلحة التشيكية، والوثائق فى هذا الأمر بها قدر من التضارب، حيث ورد فى كتابات محمد حسنين هيكل عن أن صفقات السلاح كانت تراود عبدالناصر حيث تحدث إلى رئيس وزراء الصين، لافتًا إلى أن الوثائق السوفيتية تشير إلى أن بعض الإشارات وصلت للجانب السوفيتى برغبة عبدالناصر فى شراء أسلحة منهم، وانتهت المفاوضات إلى موافقة الجانب الروسى على إمداد مصر بالأسلحة.
وقال عمارة إن القضية الرئيسية فى المحور الثالث هو موقف الاتحاد السوفيتى من تأميم قناة السويس ــ والذى كثيرًا ما تتردد الأحاديث أنه هو السبب الرئيسى والمباشر فى العدوان الثلاثى ــ وتثبت الوثائق أن الاتحاد السوفيتى كان لديه معلومات عن مد امتياز قناة السويس الذى كان مطروحًا من أواخر القرن الـ19، مشيرًا إلى وقوف الجانب السوفيتى بجانب مصر فى ذلك الوقت ونذكر الانذار السوفيتى الذى دحر العدوان الثلاثى، ومواقفه المتعددة فى ترهيبهم.
وتابع مؤلف «القاهرة ــ موسكو» أن الكتاب انتقل بعد ذلك إلى الحديث عن مرحلة بناء السد العالى، ولم تكن هذه الفكرة فى بادئ الأمر تلقى رواجًا وذلك بحسب ما جاء على لسان السفير السوفيتى خلال تلك الفترة وكلام أناس آخرون، وفى نهاية المطاف اتفق الجانبان على تمويل بناء السد العالى بعدما رفض البنك الدولى تمويله.
وأضاف الدكتور سامى أن العلاقات توترت بعد الوحدة السورية بين عبدالناصر وخروشوف وذلك بعد الموقف المناهض للشيوعيين السوريين من هذه الوحدة، والحملات العدائية التى شنها عبدالناصر ضد هؤلاء، موضحًا أن وجهة نظر خروشوف أن الوحدة لا تقوم على أساس قومى ولكن على أساس وحدة العمال والفلاحين.
وذكر عمارة أنه بحسب ما جاء فى محاضر جلسات لقاء عبدالناصر مع السفير السوفيتى فى صباح 5 يونيو 1967 كان صراخ عبدالحكيم عامر هو المسيطر، وقال عبدالناصر للسفير السوفيتى حينها إنه ثمة قصور كبير من الجانب المصرى حيث إنه لم تتوفر معلومات عن الحشود الإسرائيلية بعددها وتمركزها وموقعها.
وأشار عمارة إلى أن الوثائق تتحدث عن ميل الولايات المتحدة إلى الحلول السلمية فى نوفمبر 1967، حيث عرضت على الرئيس عبدالناصر «بعض الأشياء الغريبة فى توقيتها وفى جوهرها» وكان منها: انسحاب القوات الاسرائيلية دون الإشارة إلى خطوط الـ4 من يونيو، وحرية الملاحة فى قناة السويس وخليج العقبة، ونزع سلاح شبه جزيرة سيناء، وفرض رقابة دولية على قطاع غزة، إلا أن عبدالناصر رفض هذه القرارات فى تلك الحقبة من الزمن.
قال عمارة إنه فى 8 يوليو 1970 تم الاستغناء عن الخبراء الروس من قبل الرئيس الراحل أنور السادات، وكان ذلك بالاتفاق مع كمال أدهم مدير المخابرات السعودية حسبما جاء فى الوثائق، وكان هذا الاتفاق إرضاء للأمريكان.
«من 1974 إلى 1984 كانت تنقصنى الوثائق السوفيتية ولذلك لم أسهب فى تلك الفترة، واعتمدت على مذكرات السفراء السوفيت الذين غالبًا ما تتصف بالموضوعية، علاوة على مذكرات فى القاهرة، بجانب جزء كبير من المعلومات من كتب هيكل لأنه لم يكن صحفيًا فى هذه المرحلة بقدر ما كان صانع قرار».
ولفت عمارة إلى أنه فى سبتمبر 1981 كان العداء قد وصل أقصاه حين اتخذ السادات قرارًا بطرد السفير السوفيتى. وفى 1984 اتخذ مبارك قرارًا بعودة العلاقات السوفيتية المصرية.