صراع الأفاعى.. سيناريوهات المعركة المقبلة بين إسرائيل وإيران فى سوريا

أخبار عالمية , No Comment

تشهد المنطقة الحدودية بين الأراضى المحتلة والحدود اللبنانية والسورية، التى تطلق عليها تل أبيب «الجبهة الشمالية»، حالة كبيرة من التوتر، وذلك فى ظل تواصل الهجمات الإسرائيلية على عدة مناطق فى سوريا، بدعوى أنها «أهداف إيرانية»، والتى كان آخرها قبل أيام، وتلاها الرد بصاروخ «أرض- أرض» من سوريا على هضبة الجولان اعترضته منظومة «القبة الحديدية» الإسرائيلية. وردت إسرائيل على «الصاروخ السورى» بضربات جوية، وزعمت نجاحها فى «إصابة عدة أهداف تابعة للحرس الثورى الإيرانى فى سوريا. فى ظل هذه التطورات، وتشابك الجهات الفاعلة فى هذه المنطقة، إسرائيل وإيران وسوريا وروسيا والولايات المتحدة، ما الذى يمكن أن تحمله الأيام المقبلة هناك؟ وما تقديرات «تل أبيب» للوضع الحالى؟ وهل يمكن أن يتطور إلى مواجهة عسكرية حقيقية؟.. فى السطور التالية نحاول الإجابة عن تلك التساؤلات.

المواجهة المباشرة مستبعدة.. تل أبيب تتأهب لرد إيرانى عبر «حزب الله».. وتخشى الجيش السورى و«فيلق القدس»
تستبعد تقديرات باحثين ومراقبين إسرائيليين اندلاع مواجهة عسكرية حقيقية بين إسرائيل وإيران فى سوريا، رغم حالة التصعيد الأخيرة بينهما، والتصريحات الساخنة من مسئوليهما، وعلى رأسها إعلان قائد سلاح الجو الإيرانى أن بلاده «مستعدة لحرب تدمر فيها إسرائيل»، ورد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بتصريحات حول استعداد جيشه للمعركة.
ورأى الباحثون الإسرائيليون أن حالة التوتر بين الجانبين كانت ستحدث عاجلًا أم آجلًا، لكن التصريحات الإسرائيلية الأخيرة عجلت بها، وذلك بعد أن كشف جادى أيزنكوت، رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلى- المنتهية ولايته- عن «آلاف الأهداف، التى هاجمها سلاح الجو الإسرائيلى فى السنوات الأخيرة»، بجانب تحمل «نتنياهو» مسئولية الهجوم الأخير فى دمشق، وهى التصريحات التى فاجأت الجميع وتسببت فى جرأة إيران للرد عليها.
وقال يوسى منشروف، الباحث فى الدراسات الإيرانية بجامعة «حيفا»، فى مقال بصحيفة «معاريف»، إن إيران مثل إسرائيل ليست معنية بالحرب، لأسباب متعددة، بينها أن مثل هذه الحرب يمكن أن تقدم لإسرائيل ذريعة لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، مستغلة الانسحاب الأمريكى من «الاتفاق النووى» الذى زود إيران بحصانة ضد هجوم من هذا النوع.
كما أن نشوب مواجهة عسكرية سيعرض التمركز الإيرانى فى سوريا إلى خطر، ويهدد بقاء الرئيس السورى بشار الأسد، الذى يعد «هدفا استراتيجيا وضعه المرشد الأعلى الإيرانى خامنئى منذ ٢٠١١، وفى إطاره قدم إلى دمشق مساعدات تقدر بمليارات الدولارات»، وفق «منشروف».
واتفق معه، المحلل العسكرى عاموس هرئيل، فى مقاله بصحيفة «هآرتس»، الذى قال فيه: «التصريحات الهجومية المتبادلة هذه لا تبشر بحرب، لأنه يبدو أن الإيرانيين أيضًا لا يرغبون فيها حاليًا».
وترى التقديرات الإسرائيلية أنه بعد انتهاء الحرب فى سوريا، فإن السيطرة على البلاد سيعاد تقسيمها مجددا بما يتلاءم مع رغبة الدول القوية الناشطة هناك وهى روسيا وتركيا وإيران، معتبرة أن «طهران» ستغير طبيعة نشاطها فى سوريا تمهيدًا لهذا «التقسيم»، وتتوقع كذلك زيادة قوة الجيش السورى، وأنه بعد ٥ سنوات سيكون قويًّا ويتقدم بشكل أسرع مما كان عليه قبل اندلاع الحرب، مدعومًا بوسائل قتالية روسية متطورة، وهو ما يستعد له جيش الاحتلال.
وقال يانيف كوفوفيتس، المحلل العسكرى، إن «تقاسم السيطرة فى سوريا بعد نهاية الحرب الأهلية، وسحب القوات الأمريكية من هناك، سيشجعان إيران فى الرد على الهجمات الإسرائيلية بقوة أكبر من الماضى»، مشيرًا إلى أنه رغم أن الوضع الاقتصادى فى إيران والتدخل فى حرب اليمن دفعاها إلى تقليص وجودها فى سوريا، فإنها لم تتخل عن رغبتها فى تعزيز سيطرتها هناك، مضيفًا: «المؤسسة الأمنية تقدر أن يشهد ٢٠١٩ حسم مسألة الوجود الإيرانى فى سوريا، وأنها ستغيّر طريقة عملها قبل التقسيم».
ورغم استبعاد خيار «الحرب المباشرة»، تضع الإدارتان الإسرائيلية والإيرانية على حد سواء، جملة من التوقعات لتطورات الأحداث بينهما خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وسط حالة تأهب من قبل جيش الاحتلال، خوفًا من «رد إيرانى» يمكنه أن يأتى بطريقة غير مباشرة عبر «حزب الله» أو بواسطة جهات مختلفة فى هضبة الجولان.
وتحدث الكاتب الإسرائيلى يوسى ميلمان عن هذه الرؤية، قائلًا: إن إيران ستواصل محاولة تثبيت وجودها فى سوريا، ونقل الصواريخ الدقيقة والمضادة للطائرات إلى «حزب الله»، وفى المقابل ستستمر إسرائيل فى تنفيذ هجماتها إحباطًا لتلك التحركات، مشيرًا إلى إمكانية دخول طرف ثالث لتلك المعادلة المعروفة، تتمثل فى الجيش السورى ذاته، من خلال إطلاقه صواريخ على إسرائيل، فى ظل زيادة ثقته فى نفسه الفترة الماضية.
وأضاف أن قاسم سليمانى، قائد «فيلق القدس»، ذراع الحرس الثورى الإيرانى لتنفيذ العمليات العسكرية خارج البلاد، والذى قاتل إسرائيل عشرات السنوات، لم يتخل عن جهوده فى هذا الإطار، وتوقع أن يعيد النظر فى خطواته انتظارًا للوقت الملائم لاستئناف المعركة، محذرًا من أن «التقديرات تشير إلى احتمالات كبيرة للانفجار، حال تنفيذ عملية على مستوى معين يمكن أن يؤدى إلى تدهور أمنى، وذلك رغم عدم رغبة الطرفين فى هذا الانفجار».

3 استراتيجيات صهيونية بينها «المعركة الشاملة»
منذ اندلاع الأحداث العنيفة فى سوريا، وضعت إسرائيل جملة من الأهداف، أهمها منع أى تمركز إيرانى هناك، ومنع نقل الأسلحة الدقيقة والمتطورة من إيران إلى «حزب الله»، وتستخدم فيه ٣ استراتيجيات لتحقيقه، وفق مراقبين إسرائيليين.
أول استراتيجية هى «المعركة الشاملة» لمحاربة الوجود الإيرانى ومنع نقل الأسلحة إلى «حزب الله»، والثانية استراتيجية «تقدير المخاطر»، التى حددها معهد أبحاث الأمن القومى، بإسقاط طائرات إسرائيلية، ثم افتعال احتكاك عسكرى مع روسيا فى سيناريو تصعيدى كبير.
أما الاستراتيجية الثالثة التى تنتهجها إسرائيل لتحقيق أهدافها فى سوريا، فهى «الردع»، من خلال التحكم فى تصعيد القتال على الساحة الشمالية، التى تشهد دخول أكثر من طرف يمكنها تغيير ميزان الردع، وهى: «حزب الله»، الذى ترى أنه «تلقى ضربة عملياتية ومعنوية شديدة فى أعقاب كشف وتدمير الأنفاق بالمنطقة»، وإيران التى تعتبرها «تصمم على تصفية الحساب بعد إخفاقاتها الأخيرة»، وسوريا التى «استمدت الثقة بتزويد روسيا لها بمنظومات دفاع جوى متطورة»، وذلك حسب تقديرات معهد الأمن القومى الإسرائيلى.
وتعتقد القيادة العسكرية الإسرائيلية أن إيران تستعد للرد على الهجمات الإسرائيلية بعمليات ضد إسرائيل، من خلال «الميليشيات الشيعية» فى دمشق، وأن «حزب الله» هو الآخر معنى بتحويل منطقة الحدود فى هضبة الجولان إلى حدود مواجهة مع إسرائيل، وهو ما تضعه القيادة العسكرية الإسرائيلية فى الحسبان، وأعدت له سيناريوهات محتملة مختلفة.
وفى دراسة رون تيرا، المنشورة فى معهد أبحاث الأمن القومى الإسرائيلى بدورية «مباط عال»، شدد على مخاطر إعادة النظر فى أهداف عقيدة «معركة بين الحروب» التى تخوضها إسرائيل فى أراضى سوريا، ومدى ضرورتها والقدرة على تنفيذها.
وحسب دراسة «تيرا»، فإن إسرائيل على المستوى السياسى، تستخدم لغة المنع وليس العرقلة، ونتيجة لذلك أدت العمليات حتى الآن إلى تقليص وإبطاء التمركز الإيرانى فى سوريا، وتهريب السلاح إلى «حزب الله»، مشيرة إلى أنه يجب أن تستند الاستراتيجية الإسرائيلية إلى نهجين.
الأول تهديد إسرائيل بإمكانية التصعيد العسكرى وعدم الاستقرار الإقليمى، الناجمين عن وضع سلاح إيرانى نوعى فى سوريا، ومشروع الصواريخ الدقيقة لـ«حزب الله»، أما النهج الثانى فيعتمد على مواصلة العمليات الهجومية، حتى مع ارتفاع المخاطر والاحتكاكات، لصياغة «معادلة احتكاك» فى صالح إسرائيل.

روسيا تكتفى بالمراقبة طالما الأسد غير مهدد.. وترفض إبعاد طهران
حسب التصريحات العلنية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فإن الحكومة الإسرائيلية تريد المحافظة على حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلى فى أجواء سوريا، خاصة فى منطقتى الوسط والجنوب، لكن ما تغفله التصريحات عادة يتعلق بمنطقة الغرب والشمال الغربى، اللتين تتواجد بهما القواعد الروسية فى المنطقة.
ومنذ حادثة إسقاط الطائرة الروسية فى سبتمبر الماضى، وتوتر العلاقات بين البلدين، ترى «تل أبيب» أن «موسكو» هى الكيان الوحيد القادر على منع المواجهة بين إسرائيل وإيران فى سوريا، فى ظل تمكنها من فرض التفاهمات الملزمة بين الأطراف المختلفة، فى الوقت الذى يبدى فيه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عدم اهتمام بما يجرى.
ومنذ الحادث، طالبت روسيا بوقف الهجمات الإسرائيلية على سوريا، وفى المقابل، تعهد «نتنياهو» بمواصلة الحرب ضد إيران، وحسب «معاريف»، فإن «طهران» طلبت من «موسكو» وقف التفاهمات الاستراتيجية التى تسهل على «تل أبيب» مواصلة هجماتها على «دمشق»، وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الطلب قدمته «طهران» بالفعل إلى قائد سلاح الجو الروسى، أثناء الزيارة التى قام بها مؤخرا لإيران.
وحسب ما نشره المحلل العسكرى «عاموس هرئيل» فى صحيفة «هآرتس»، فإن القيادة فى إسرائيل ترى أن موسكو كذبت بشأن الوعود التى قدمتها لـ«تل أبيب» قبل نحو ٦ أشهر، وتضمنت وعدا بالتدخل لإبعاد القوات الإيرانية إلى أبعد مسافة ممكنة عن المنطقة الحدودية مع سوريا، مشيرًا إلى أن التقارير تحدثت وقتها عن مسافات تمتد بين ٦٠ و١٠٠ كيلومتر، مضيفًا: «لكن الممارسات على الأرض بعد ذلك أوضحت أن الروس لم يدخلوا العاصمة دمشق ضمن هذه الخطة، كما أثبتت أن الإيرانيين لم يتقيدوا بمثل هذه التعهدات فى مناطق الجولان».
من جانبه، تساءل الكاتب أليكس فيشمان، فى مقاله بصحيفة «يديعوت أحرونوت»، عن الجهة الحقيقية التى تعطى أوامر اعتراض القذائف التى تطلقها الطائرات الإسرائيلية فى سوريا، وقال: «هل يصدر الأمر من مركز تحكم مضادات الطائرات فى سوريا؟، أم من مركز حميميم الواقع تحت القيادة الروسية؟، أم أنه يصدر من قادة البطاريات السورية، التى يوجد بها مهنيون روس؟».
وأضاف: «لن يفاجئنا اكتشاف أن الروس ضالعون فى أعمال مضادات الطائرات السورية، فهم يسمحون لإسرائيل بالقصف من جهة، ويحاولون تشويش قدرات سلاحها الجوى من جهة أخرى، ويكتفون فى الوقت الحالى بمراقبة الهجمات الإسرائيلية ما دامت غير موجهة بشكل مباشر للجيش السورى، أو تهدد بقاء بشار الأسد، لكنهم فى المقابل يرفضون التعامل كمظلة دفاع عن التواجد الإيرانى فى سوريا».
وتابع: «الروس يحتفظون بأوراق ضغط على إيران من أجل إجبارها على الانسحاب من سوريا، لكنهم لا يرغبون فى استخدامها حاليا، حتى لا يقدموا خدمة مجانية لإسرائيل والولايات المتحدة»، معتبرًا أن الروس «يؤجلون كبح إسرائيل إلى اللحظة التى يهدد فيها التصعيد سلامة نظام الأسد، أو يلحق الضرر بالقوات الروسية».


بحث