يُقرُّ العبد لله ـ الموقّع أعلاه ـ أنه أكل في حياته المهنية والاعتيادية، من “الخوازيق” ما لم يأكله “حمار في مطلع” كما يقول المثل الشعبي المصري، للدرجة التي باتت وجبة يومية ثلاثية الأبعاد، إذا لم تحدث، تراودني الأسئلة وتهاجمني الوساوس.. ما يجعلني أمزح مع رئيس تحريري الأسبق: هل ثمة عطلٍ في وكالة “نما إلى علمي” وفق تعبيره!. وهذه الوكالة هي أحدث اختراع في عالم وكالات الأنباء التي تنقل الأخبار بالحق أو بالباطل، شفوية أو مكتوبة وفي مذكرات رسمية له ضدي، وكانت هذه التي يقوم بها متبرعون توغر صدره، وتجعلني محط تحقيقات واستجوابات كأني في “محضر بوليس”.. أحمد الله أنه لم يصل لمرتبة “بوليس الآداب”!.
رئيس التحرير ـ رغم عصبيته ـ إلا أنه كان يملك من البساطة والمرح، ما يجعلنا نتعامل كأصدقاء، قبل أن نكون زملاء، وربما كان اتفاقي معه، في حبنا الشديد لـ”المقالب” كان من أوجه التقريب بيننا، رغم عدائه الشديد جداً لي في البداية، وتعمده التعامل معي كتعامل حارس الجبلاية مع القرود، ما جعله ـ وفق نفس وكالة “نما إلى علمي” ـ أن يجعلني أقفز كالقرد “اللي راسه حمرا”، من شجرة لأخرى، أقصد من قسم لآخر، حتى فاض بي الكيل وطفح كماسورة مجاري، دفعتني لوضع استقالتي بين يديه، إذ لم يبق ـ كما قلت له ـ إلا أن أتقلد وظيفة الحارس “السيكيوريتي”.. ليتم بعدها نوعٌ من التوافق، صارحني بعدها بأنه في جميع “تحرياته” تأكد من أنها شكاوى من عيار “كيد النسا”، ولفرط ثقته كان يعطيني إياها مازحاً بتقريعه المعروف: اقرأ هذه الأوراق لتعرف هؤلاء الذين تدافع عنهم؟!. ذات مرة، دفعني الفضول ولأول مرة، لمعاتبة أحدهم على ما كتبه، فابتسم وهزَّ رأسه: هذه “زومبة” وقائية، ولأني كنت من البلاهة لأعرف أنه فعل ذلك، تحسباً لما يمكن أن يدور برأسي وأفكر في فعله مستقبلاً، لذا كان “خازوقه” الاستشرافي نوعاً من حائط الصد المبكر، بغض النظر عن مدى صحته أو صدقيته. ولأن التعليم في “الكِبَر” كالنقش على الحجر، لم أتعلم أبداً، وظللت ذلك القروي الساذج، الذي بهرته أضواء القاهرة، فخرَّ على ركبتيه باحثاً عن ذلك المليم “الأثري” الأحمر، الذي سقط منه فجأة، لترن على الفور صيحة والده المدوية، فاكتشف وهو يقلبه بين يديه، أنه لم يكن سوى غطاء زجاجة “الكازوزة” التي رمته بين قدميه حسناء الكلية ذات “الميكروجيب”، لـ”تسخسخ” ضحكاً مع رفيقاتها على فرط سذاجته. يعني أنا ناقص؟.
|